أمين حطيط
قبل القمة العربية كانت الاكثرية تدعي ان سوريا تتدخل بشكل «فاضح في الشؤون الداخلية اللبنانية» عبر منعها لانتخابات الرئاسة وتجاهلها للحكومة اللبنانية الى حد عدم الاعتراف بها، بما في ذلك بحث العلاقات السورية اللبنانية لارسائها على اسسس قانونية سليمة. وقد اكد على هذا الامر فؤاد السنيورة بموجب بيان متلفز برع في القائه بشكل بزّ فيه اكثر الخطباء شهرة.
لكن سوريا وفي معرض التحضيرات للقمة اظهرت زيف هذه الادعاءات، حيث تعاملت مع لبنان كدولة مستقلة بصرف النظر عن الحكومة التي تقوم على السلطة فيه، فوجهت اليه الدعوة الرسمية للقمة عبر رئيس الدبلوماسية اللبنانية، وهو وزير ما زال في وزارته يصرف الاعمال بعد استقالته للتي لم يتخذ منها السنيورة الموقف الدستوري (رفضاً او قبولاً) ما فرض على المستقيل استئناف مهامه تصريفاً للاعمال، وكان استلام الدعوة الى مؤتمر القمة من قبل هذا الوزير في محله القانوني والدستوري، خاصة اذا عطفناه على واقع سلوك السنيورة الذي يتصرف بشكل يمنع كلياً الدبلوماسية السورية من الاتصال به لتحديد مواعيد لمبعوثيها لتوجيه الدعوة له، ومع التعذر في التنسيق للموعد، وتعذر العلم بمكان الوجود الفعلي (يسافر يعود ولا يعرف احد ببرنامج حركته).
اما بالنسبة للقرار بعدم حضور السنيورة وفريقه، فهو ومن غير شك قرار صنع في الخارج وسوق في لبنان بشكل اسقط ورقة التين الاخيرة عن صورة هذه الحكومة. وهنا نناقش ما تذرعت به هذه الحكومة من اسباب:
ـ القول بان رئيس الجمهورية هو وحده يمثل لبنان في القمة. هنا نسأل السنيورة لماذا نازع رئيس الجمهورية تمثيله للبنان في قمتي الخرطوم 2006 والرياض 2007 ؟ ثم لماذا ذهب الى السنغال ـ كرئيس دولة ـ حتى ومن غير قرار متخذ في مجلس وزراء ؟
ـ القول بان هناك مشاكل عالقة بين لبنان ودمشق تمنع السنيورة من الذهاب. أليست المؤتمرات هي المكان االصحيح للنقاش وعرض نقاط النزاع والخلاف لحلها؟ ثم اذا كانت العلاقة من غير ما يثير الخلاف، وتعدد الرأي، لماذا يكون المؤتمر بذاته؟ واذا لم تكن المؤتمرات هي المكان لطرح الامور الخلافية، فاين تطرح هذه الامور لحلها ؟
ـ اما القول بان الغياب كان مراعاة لبعض العرب الذين غابوا من اجل لبنان، فأمر لا يقبله عاقل في وطن يفخر بانتمائه الوطني وتقديم مصلحة وطنه على مصالح الاخرين. فمن الذي يستطيع ان يقنعنا ان غياب بعض العرب كان لحسابات لبنانية محض؟ الا يعتقد هؤلاء بان غياب من غاب كان لحسابات ذاتية اتخذ لبنان قناعاً لاخفائها؟ الا يعتقد بان سبب غياب الاخرين عائد الى نزاعات على مواقع وقيادة اقليمية ضائعة ؟ ثم الا يتذكر هؤلاء ان الوطن وخدمته تكون عبر التواصل مع جميع ابنائه ؟ اما سياسة التفرقة التي لجأ اليها بعض الغائبين فليست الا تطبيقاً لقاعدة «فرق تسد» ما يعني ان الغياب لم يكن لمصلحة لبنان بل كان ضد هذه المصلحة، لان العرب لو حضروا وتوافقوا مجمعين على حل، لكان لبنان عندها قد تعافى وخرج من ازمته، ما يعني قطعاً ان الغياب كان ضد مصلحة لبنان وان الذي اعان على الغياب عن القمة كان وبكل صراحة عاملاً بقصد او من غير قصد ضد المصلحة اللبنانية.
ان كل تبريرات الغياب اللبناني عن القمة العربية، ليست بالقدر الذي يمتلك الحجة المقبولة والقادرة على اقناع ذوي المنطق السليم. ولا نرى تبريراً للامر الا ما كان قاله ساترفيلد قبل القمة : «لماذا القمة العربية ؟» ثم و«لماذا في دمشق؟ فالاميركي يعلم ان نجاح قمة عربية في دمشق، العاصمة العربية المتبقية الممانعة للمشروع الاميركي، يعتبر ورقة في ملف خسائر المشروع الاميركي.
ولكن هل حقق الغياب الاهداف منه ؟
ينبغي هنا التذكير بالخطة الاساس التي رسمت للبنان منذ 3 سنوات والقائمة على تعطيل مؤسسات الدولة وتحوير النظام ليكون حكم فئة، وان اي حل توافقي في لبنان يعني اسقاط الخطة الاساس. واذا نظر الى الشكل وما ترامى من الاسماع من حديث عن كيفية تعاطي القمة مع المسألة اللبنانية قد يشير الى ان الغياب منع البحث في المسألة هذه، وبالتالي عطل البحث عن حل، ولكن التعمق في الامر يكشف اموراً اخرى، التقطها قائد الجيش بذكاء وسارع الى الاعلان بانه لن يبقى حارساً لوضع يقوم في لبنان خلافاً للحق الدستوري للفئات اللبنانية. فحين اعلن العماد سليمان رغبته في التوقف عن ممارسة مهمامه في قيادة الجيش مع بلوغه السن القانونية، اعلن ضمناً اعتراضاً على التسويف في الحل، بعد ان تأكد له ذلك جلياً من امتناع موالاة اميركا عن المشاركة في القمة العربية للبحث عنه.
على اي حال غاب السنيورة عن القمة، حتى لا يضطر كما ذكرنا للمشاركة في البحث عن حل للازمة، ولكن لبنان لم يغب، حيث كان حضوره فاعلاً داخل قاعة المؤتمر وخارجها. ففي الداخل وبعد ان اسمع الرئيس الاسد كل العرب وعبرهم العالم، ان سوريا ترى لبنان دولة مستقلة لها مؤسساتها ونظامها قاطعاً الطريق على كل ادعاء مغاير، وكان الاجماع العربي على التضامن مع لبنان المستقل عبر قرارين صريحين يؤكدان خاصة التضامن مع المقاومة اللبنانية التي هزمت اسرائيل، وهو عمل كاف ليقول لاميركا الرافضة للقمة ان العرب ومن سوريا يقولون لا تنازل عن المقاومة اللبنانية، لانها حاجة وطنية وقومية.
اما خارج القاعات فقد كان الحضور اللبناني خاصة الاعلامي لافتاً للتأكيد على صوابية موقف المعارضة والاقناع به، ما أستدعى ثورة من بعض الغائبين على المعارضة اللبنانية التي نجحت في هدوئها ورباطة جأشها وصلابة موقفها ان تعطل اكبر عملية تزوير في تاريخ لبنان، كادت ان تنقل لبنان الى خارج موقعه العربي الطبيعي لتجعله منصة او سيفاً باليد الاميركية ضد المصالح الوطنية العربية.
لقد غاب عن القمة من لبنان فريق الموالاة لاميركا فعطل البحث عن حل، ما حمل قائد الجيش على رفع الصوت «كفى تسويفاً» وفي المقابل كان لبنان المقاوم والوطني قوياً في حضوره فنال منها نصيبه المستحق تأكيدأ على مقاومته، ودعماً لحقوقه الوطنية..
وبعد ان انقضى المؤتمر بنجاح سوري ملفت، ما الذي ينتظر لبنان كرد فعل من الخاسرين (اميركا واتباعها ) على هذا النجاح ؟
هل يكون بما يذكر بحرب تموز، استدراكا للهزيمة بقرار دولي ينقذ الخاسر؟ ام يكون الرد عبر ما يروج له من محكمة دولية لمواجهة سوريا ؟
ان ما جاء به التقرير العاشر للجنة التحقيق الدولية ـ ذكر تعبير شبكة اجرامية وربط القتل بها ـ قطع الطريق على هذا التهويل والابتزاز، بمجرد القول بانها شبكة اجرامية كانت، قبل قتل الحريري واستمرت بعده، ما يسقط التكهن بمسؤولية سورية رسميا ويؤكد ما تقوله سوريا بعدم الاكتراث بالامر.
وقد يفكر متسرع بان الحرب على المقاومة وعبرها على سوريا ستكون الطريق الاميركي لاجهاض نجاحها في القمة. لكن اميركا ومعها اسرائيل، لو كانت مطمئنة الى نصر في حرب تفتعلها لما ترددت ولما تأخرت حتى الان، ولما انتظرت القمة العربية، بل على العكس لكانت منعت القمة بالحرب ذاتها وقد هولت بها قبل القمة بالمدمرات والبوارج ولم تخف احدا.
يبقى الخطر الذي نخشى منه على لبنان، وهو يظهر من باب الاخلال بالامن اللبناني والعبث فيه فسادا لتلقى التهمة على سوريا.. فهل سيكون ذلك ؟
نتمنى الا يحصل...و لكن يجب الحذر !